عودة المهدي المسيح قراءة قرآنية
في طور إقامة (التوراة والإنجيل) على قاعدة تصديق وهيمنة القرآن
ان خاتمية الدين تقتضي انتهاء عصر المعجزات الحسية ، وإعلاناً بان النوع البشري قد بلغ النضج العقلي والرشد الاجتماعي والنبوغ المعرفي وأصبح المجتمع البشري من خلال التجربة والتسخير والسيطرة بغنى عن إقناعه عن طريق المعجزات المادية بان الدين لمصلحة الإنسان في التغيير والتطوير ضمن الثابت والمتحول وثبات النص مع حركة المحتوى بحسب المعرفة الزمنية فكان كمال الدين لذلك الأمر وحتى تبلغ الثقة في نفوس البشر مستوى تشكل حافز في التقدم والمدنية والاعتماد على إعمال العقل في عملية العمران والاستخلاف واتخاذ القران إماماً في التربية والتوجيه التاريخي والمعرفي، وان لكل شيء سببا فهو المعجزة الخالدة فالتغيير والنهضة خاضعة لمجموعة شروط موضوعية في الواقع ، فمن هنا كان الخلاف والقول بعدم مجيء عيسى ابن مريم المخلص قبل انتهاء الزمان ، وخاصة انه يأتي والمسلمين في أسوء حال والقوة والعلم في يد النصارى ، فهل يكفي سنوات لإصلاح المسلمين العقيم ، وإقناع النصارى بفساد عقيدتهم ، فهو عبد ورسول ولم يقتل على الصليب ،وإنهم كانوا من المخطئين ، وينزع الصليب والخنزير من نفوسهم فلا بد أن يكون المخلص سوبرمان مميز عن الآخرين، إذ كيف يصدقه الناس ويثبت دعواه بدون معجزات ومجيئه يعني إلغاء العقل ومصادرة الحرية وحجر على الناس وقهرهم على الدين وهذا بخلاف ما جاء في القران المجيد، لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لذا ظن بعض الناس عدم ورود نص في المخلص بصراحة واضحة في القرآن ، فهو من خرافات اليهود وذلك بسبب هجرهم القرآن ومنهج تأويله والمؤطر بظاهر سياق لفظ النص مع تقاطع ألفاظه كما سنرى وهو على أعماق سبعة وهذا بخلاف الباطنية التي لا تتقيد بجذر اللسان العربي وبظاهر نص سياق الآية جاء في كتابه (ولقد أتيناك سبعاً من المثاني والقران العظيم) (الحجر 87) والمثاني غير القرآن كما هو واضح وجمع مثنى أي طبقة فوق طبقة مثنية إلى سبع طبقات وهي عمق التأويل والذي لايعلمه إلا الله والراسخون لا يعلمونه كاملاً من ذلك دلالة منطوق القرآن ودلالة مفهومه ودلالة السياق ودلالة الأسلوب ودلالة الصياغة ومنهج تقاطع الألفاظ ودلالة الاصطلاح والدلالة اللسانية للجذر والحرف فمع أن المهدي ورد فيه عدة آلاف من الروايات عند الشيعة وأكثر من سبعين رواية صحيحة السند عند أهل السنة أكثرها تواتر عند أهل الحديث ، مع اختلاف وتناقض الروايات في طريقة ظهوره واسمه ومهمته فقال بعضهم هو شخصيتين برجل استناداً على رواية لامهدي إلا عيسى ومنهم قال هو اثنين ، ونتيجة لهذا الإشكال اضطرب المحدثون والفقهاء في الأمر وانعكس ذلك على سائر الناس ، مما دعا بعضهم إلى نفي صحة الروايات أصلاً ، مع أن المخلص أجمع عليه ملل أهل الأرض ومن مختلف الأديان .
ولقد اجتهد المصلحون والساسة في التاريخ في توظيف فكرة عودة المهدي والمسيح على ضربين الأول: تم تسييس فكرة المهدي لإشباع طموح البعض ،فكان لها دور ايجابي في حركات التغيير والإصلاح الاجتماعي والثورة على الاستعمار رسميا وشعبياً، أشهرهم المهدي العباسي ، والمهدي احمد بن تومرت في بلاد المغرب والأندلس ، ومهدي السودان .
والثاني: وهو الشائع فكانت فكرة المهدي لها الدور السلبي على الناس ، فقد ادلجة في الخلافات المذهبية وخاصة عند الشيعة فقد اتفقوا على غيابه وهو عندهم حي منذ أكثر من ألف عام واختلفوا على شخصيته وظهوره ودوره ، وهم ينتظرون خروجه كغيرهم من الأمم لتحقيق السيادة والتسلط واستغلال الموارد البشرية بالعنف والقهر وليس مستبعداً عبث أصابع غريبة دخيلة حاقدة لا تريد الخير للمسلمين والإنسانية .
ومازال أمر المخلص المهدي والمسيح إلى اليوم يستغل من باب الدجل أفراد وطوائف ودول واستخبارات دولية لأهداف ودوافع مختلفة، ولا يمنع كل ما ذكرنا من جموع ركام الشبهات والدسائس لطمس الحقيقة القرآنية من كشفها للناس موقنين بأن قدرة الله عز وجل في المرحلة الأولى تحققت في إكمال الدين الخاتمي ولابد أن تتجلى للبشرية القدرة الثانية في مرحلة إقامة وحدة كتاب دين الله تعالى التوراة والإنجيل بتصديق وهيمنة القرآن وسوف يوفق كل من يعمل على تحقيق مشروعه ويهلك كل من يقف أمامه فلقد اقتضت سنة الله تعالى الجارية في التغيير الاجتماعي في التاريخ إيجاد القيادة وتحضيرها من خلال مصداقية تاريخية قبل بناء القاعدة الجماهيرية لتسهيل عملية التوجيه وتفعيل ضبط الفكر والعمل والمال من اجل النهضة فكانت الأنبياء والخلفاء من بعدهم بمثابة النواة تلتف من حولها الناس لتشكل سفينة نجاة الأمة في إظهار الدين والحق والعدل والسلام وتحقيق وعده بنصرة رسله والذين آمنوا معه ضمن معطى الواقع رغم كراهية المشركين لذلك ولا يعلم جنود ربك إلا هو؛ فالمسالة على ضوء القرآن المجيد ليست أمر خرافي أو فكرة انهزامية نسجت على خلفية الإحباط في التاريخ للهروب من مواجهة ضغط الفساد والاستبداد في الواقع ؛ فكيف نفسر وجود فكرة المهدي والمخلص في جميع الأديان والملل وقد ورد فيه عدداً من روايات نبوية تواترة عند محدثين ؛ وبغض النظر عن السند فليس هو منتهى الحكم على صحة الرواية فيجب النظر في متنها ومن ثم عرضها على كتاب الله تعالى الفرقان بين الحق والباطل ؛ بعيداً عن التأثر بأحداث التاريخ وخاصة تم استغلالها لأهداف سياسية ومذهبية كما ذكرنا فلا يصدنا عن الحقيقة شيء فكما أن بعض روايات الرسول هي سنة تابعة للتشريع القرآني يجب طاعتها وفي تركها إثم فكذلك بعض روايات النبوءة والتي تتعلق بالعلوم والمعارف وأنباء الماضي والحاضر والمستقبل ونبوءات مختلفة هي سنة تابعة لآيات النبوة يجب فهمها على ضوء منهج الكتاب والعلم وعدم الإيمان بها والاستفادة منها على ارض الواقع في تقويم السلوك البشري من الفساد والاستبداد تظل الكوارث والحروب والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية تحيط بنا (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فيحجب عنا ما ينفعنا من نعمته ورحمته لطفاً منه حتى ننخرط في العمل في مشروعه وهو سفينة النجاة، فلا بد أن نفعل كما فعل المسلمون الأوائل حينما انتشر مرض الطاعون في عهد عمر الفاروق وأراد الصحابي أبو عبيدة الخروج فحاججه البعض برواية تقول بعدم الدخول أو الخروج في مثل هذه الحالة فرد عليهم في قوله إني افر من قدر الله إلى قدر الله، وكذا أثناء فتح القسطنطينية على يد الفارس محمد العثماني فكانت نبوءة ووعد النبي ص لأحد عوام المسلمين بلبس (سواري كسرى) احد عوامل رفع الروح المعنوية عند الناس وحافزا للنصر وتحقيق الهدف وشحن الأمة بالأمل، وقد تم النصر فعلاًًً وتحقق خبر الرواية واستدعي هذا الموعود المتواضع وألبسه الخليفة أمام الملأ سواري كسرى وهكذا كان الناس مشحونين بالطاقة الروحية وكلهم أمل بالنصر أثناء الفتح العثماني واليوم نفس السنن تتكرر( كما بدأنا أول خلق نعيده) إذ كما بدأ من الله تعالى وحي الدين بنوح عليه السلام منقذ ومخلص في مرحلة تاريخية سابقة سوف يظهر الدين قبل الرجوع إلى الله ليوم الحساب على يد منقذ ومخلص هو المهدي المسيح؛ وقد اختلف فيه بحسب الروايات على أقوال الأول المسيح ابن مريم هو المهدي على الحقيقة والثاني هو شبيه عيسى ابن مريم والثالث هو رجل من آل البيت يخرج في آخر الزمان يعاصره المسيح والرابع هو المهدي الغائب عند الشيعة في السرداب أو في الجبال ينتظرون فرجه أكثر من ألف عام والخامس كل فئة لها مهدي وقد يجتمع عشرات المهديين في الزمن الواحد كما حالنا اليوم والدليل الوحيد لمعرفة الحقيقة هو القرآن .
إن كتاب الله تعالى فيه دلالات تحتاج إلى استنباط والغوص في أعماق التأويل للكشف عن شيفرة سلوك التاريخ البشري إلى يوم الدين ، من ذلك أطوار التاريخ البشري بمراحله السبعة وهي أيام الله (خلقكم أطواراً) وكل يوم يتميز بإمام ابتداء من يوم خلق آدم ثم نوح وإبراهيم وموسى ومحمد الخاتم ص فالمهدي المسيح موحد الملة والدين الخاتمي ثم الرجوع إليه في اليوم الآخر، فلكل مرحلة سلسلة من النبيين أو نبياً هو حجة الله تعالى على خلقه يقود مشروع الله عز وجل في التوحيد الخالص فلا خالق إلا هو لا عيسى ولا غيره ، وإقامة حكم رسالة التوراة والإنجيل على خلفية وهيمنة التصديق القرآني ، تحت راية الخلافة المدنية في الأرض بالعدل والسلام .
وجاء في كتاب الله تعالى في سياق الحديث عن فرعون وقومه وانتقامه عز وجل منهم غرقاً (فلما ءاسفونا انتقنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين( أي سالفة وعبرة عجيبة للطواغيت ومثلاً للآخرين الذين لم يلحقوا بهم بعد.
نزول شبيه ابن مريم (عليه السلام) مثلاً
إن الأمثال في حياة الناس مهمة جداً، لأنها تكمن في مضمونها بساطة ووضوح الفكرة، وفي عرضها في سياق المناسبة تختصر الحوار وتبلور الفكرة وتبين الدليل وقد تثير عجب المتلقي فتؤثر في مستوى القناعة فتغير الحال (قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ) (المائدة 31) لذا اهتم بها القران المجيد فجاءت أمثال كثيرة تساعد على توضيح المقصد أو إعمال العقل (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) (الحشر 21) وهكذا وجه القرآن إلى ضرب الأمثال والتفكر فيها لأنها بحد ذاتها تمثل خلاصة تراكم تجربة تاريخية أو تكشف عن قانون الأشياء نتيجة استقراء العلاقة المنطقية بينها (وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت 43) إذن إدراك الأمثال والتفكر فيها ينتج أفكارا ويغير أحوالا ًمن هنا نأتي على مثلين ضربهما الله تعالى الأول لبني إسرائيل يتعلق في آية خلق عيسى عليه السلام فكانت المشابهة بعملية خلقه من أم بلا أب كخلق آدم ليكون آية لبني إسرائيل (إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (59 ال عمران) وأما المثل الثاني فهو موجه إلى قوم محمد ص في آخر الزمان قوله (ولما ضُرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) (الزخرف 57( يصدون من دعوته إلى الصراط المستقيم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فهم مثل من قبلهم (بني إسرائيل ومن سلك مسلكهم) ويكون نزوله من علامات الساعة كما جاء في الآية (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين) (الزخرف 61) فالنزول روحي بمعنى الحضور على مسرح الحياة (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) (النحل 2) وعيسى كلمته وروح منه ألقاها إلى مريم ولفظ الآية (ولما) يفيد أن شيئاً لم يقع بعد ووقوعه من المتوقع ومعنى لفظ ( ُضرب) على وزن جُعل، هو إيقاع شيء على شيء، ومنه ما ظهر أثره على غيره ، من الطبيعة والسجية والصيغة (ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل) (الروم 58) وهنا في مثلنا ظهور اثر أخلاق المسيح عيسى عليه السلام في المهدي المسيح أي ضرب على مثال ما سواه ،لان خطاب الآية موجه إلى قوم محمد ص وضرب المثل بابن مريم ليس بالنسبة للأمومة ولكن بالنسبة إلى الولادة الروحية لذا قال مثلاً أي شبيهاً بالمولود ولادة روحية من غير أب أي لم يتلقى العلم من أحد وهذا ما دل عليه اللفظ مثلاً ًفالمشابهة بينهما أن الأول من غير أب- بيولوجي- والثاني من غير أب روحي إضافة إلى مشابهته بالصفات المعنوية والمسح بالدعوة بآخر الزمان والمقصود في آية ُضرب السابقة من خلال اللفظ والسياق والصياغة أن رجلاً من قومه أي من بني جنسه ليس من سكان الفضاء ومن أمة محمد ص يأتي متمثلاً أخلاق المسيح عيسى من خلال ولادة روحية شبيه بالولادة (المريمية) من دون أب فالمثل السابق هو الظهور الثاني لابن مريم ، حيث كانت مشابهته الأولى بعملية خَلق ادم وسوف تكون المشابهة الثانية بصفات خُلق عيسى ابن مريم لذا ُضرب به مثلاً مره ثانية لان المثل الأول كان لبني إسرائيل أما المثل الثاني فهو للمسلمين والناس أجمعين في طور المخلص من أطوار التاريخ في آخر الزمان ومن خلال المشروع الرباني والخريطة القرآنية، ومن الحكمة في ذلك إثبات بشريته وانه مات كما خلت من قبله الرسل ثم تابعت الآية (إذا قومك) تعرض موقف جمهور قوم محمد ص فهو عربي والقرآن عربي وليس بالمعنى العنصري ولكن بمعنى الخالص والصافي والنقي والفطري وأصل وأسس الشيء لذلك كان الناس امة واحدة فالعرب أم البشرية والعربية أم اللغات ، إذاً محمد ص الإنسان ينتمي إلى الإنسانية فقومه غير أمته لان القوم تتضمن المؤمن وغيره (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف 106 ) وموقفهم المفاجئ يومئذ بعدم اعتمادهم أي مقدمات موضوعية أو منطقية في صدهم ( منه يصدون)) الزخرف57 ( أي ينصرفون مما يدعوا إليه فلا يقبلون دعوته علما انه يدعو إلى القرآن لا إلى الإنجيل وإلى التوحيد لا إلى التثليث ويكسر الصليب ويقتل الخنزير في نفوس الناس ويوحد الملة الإسلامية ويقيم الشرائع الثلاث على قاعدة التصديق القرآنية (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما انزل إليكم من ربكم) (المائدة 68) الخطاب بحسب السياق موجه لكل من أتاهم الله كتاب أو نزل عليهم ، وجاءت الآيات القرآنية في سورة آل عمران تقص قصة مريم وابنها وفيها الملائكة حاملة البشرى بكلمة منه وباسمه الكامل ( المسيح عيسى ابن مريم) وذلك ليغطي مرحلتين - بني إسرائيل وآخر الزمن - فجاء في الآية ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) (48 ال عمران) فنحصل على المعنى بعد مقاطعتها مع آية (ابن مريم مثلاً) فتعليم التوراة والإنجيل لعيسى وتعليم الكتاب والحكمة لابن مريم الشبيه في آخر الزمان لان ذكر اسم عيسى كاملا وبمختلف مقاطعه الثلاثة حوالي ثلاثين مرة في كتاب الله تعالى له دلالات خاصة بحسب الصيغة وسياق النص فذكر عيسى ابن مريم له دلالة وإفراد ابن مريم له دلالة أخرى وهو الشبيه الذي ينشر العدل والسلام في الأرض ولكن قوم محمد ص الذين اتخذوا القران مهجورا (يارب إن قومي اتخذوا هذا القران مهجورا) (30 الفرقان) ولا يصح القول بأن القرآن المجيد هجر في زمن الرسول ص فالمقصود قومه من بعده والى آخر الزمان وحين يبررون صدهم مما جاء به المهدي والمسيح (وقالوا ءألهتنا خير أم هو( الآية ( الزخرف 58) تبين حال المسلمين في ذلك الزمان وكيف تحولت مناهجهم التاريخية إلى عين منهج الله تعالى وقد صدهم الشيطان إتباع للآبائية: والاحتجاج بإجماع تاريخي أو إجماع مؤتمرات علمائهم وكذا إتباع الأكثرية: باتخاذ القاعدة الديمقراطية في ترجيح الأغلبية في مجال المعرفة ونصرة الحق وتركوا قاعدة الحق أحق أن يتبع وإتباع الهوى: بجعل منهج الله تابعاً لمفاهيمهم وعدم اتخاذه إماماً ظلماً وعدواناً مخالفين منهج الله تعالى بأنه تبياناً لكل شيء والمبين لنفسه ولغيره وعلينا إتباع أحسن ما يحمل منهج الله من خيارات في فهمه (واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) (الزمر 55) فالتغيير والتطوير وما ينفع الناس يمكث في الأرض، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لذا نراهم يسارعون في المقارنة بما عندهم من مناهج تاريخية تتعلق في اللغة والرواية والتفسير تخالف ما جاء به مثيل عيسى من البينات والحكمة في فهمه لبعض لما اختلفوا فيه في توحيد الأمة والملة وخلاصهم مما هم فيه من العذاب والكوارث والأزمات المختلفة (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) (الزخرف 78) وهو القرآن المبين الذي يفسر نفسه بنفسه وتبياناً وتفصيلاً لكل شيء حتى آخر الزمان (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فمن خلال فقهه لآيات القرآن يصدون ، وبحكم العادة يعكفون على تفاسيرهم التاريخية التي وضعوها نصرة لمنهج الطائفة والمذهب وكذا رواياتهم التي حكمت وفسرت منهج الله بقواعد ومناهج تاريخية والتي تحولت مع طول الزمن إلى أصنام وآلهة بديلة بل جعلوها عين منهج الله تعالى واعتبروها خير منه صداً منهم عن الحق والصراط المستقيم ثم تابعت الآية) ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون) (الزخرف 58 ) هم يعلمون الحقيقة ولكن يضربون بها عرض الحائط نفياً وما يريدون إلا الجدل والمراء والمخاصمة دفاعاً عن آلهتهم التاريخية؛ ثم تابعت الآية (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) (الزخرف 95 - 60 ) تتحدث عن ابن مريم بوصفه عبد ضمن المجموعة البشرية في ظهوره الوظيفي الأول والثاني وتؤكد إن هو إلا عبداً ليس إلهاً وقد انعم الله عليه بالنبوة والحكمة والوجاهة في الدنيا والآخرة وكما جعله في السابق مثلاً لمرحلة بني إسرائيل قادراً على جعله مثلاً لقومك في آخر الزمان في مرحلة وحدة الدين الخاتمي؛ فلا عجب لان الله بمشيئته قادر على جعل منكم ملائكة يخلفون فقدر الشبيه منكم وجعل جماعته سفينة النجاة ضمن شروط موضوعية، وإمامته وقيادته للناس جزء من سنن التغييرالالهي في تنفيذ مشروعه وتغليب الحق على الباطل وتحقيق وعده بنصرة رسله والذين معه ولولا امتناع مشيئته لجعل منكم ملائكة من باب بيان قدرته وان هذا اكبر من جعله بشرا ً روحانياً من غير أب روحي، بل ملائكة في الأرض يخلفون في نصرة الحق لشدة غيرته على الحق وحتى لا يكون للناس حجة جعل التغيير مرتبط بمعطيات الواقع؛ وبذلك يكون وجيها في الدنيا والآخرة ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) (ال عمران 45 ) إن بشرى الملائكة تستهدف حقبتين حقبة بني إسرائيل والتي جعلت محطة تأمل وعبرة ليوم الدين، وحقبة المهدي المسيح في آخر الزمان ومن المعلوم أن بدء الشريعة صحف إبراهيم وخاتمها محمد ص وموحدها مصدقة بالدين الخاتمي في آخر الزمان المسيح الشبيه وقد ورد اسم المسيح في الآية بالصيغة الكاملة ليدل على تغطيته الزمنيين فالمسيح عيسى في زمن بني إسرائيل حيث التقت روح التوراة مع روح الإنجيل فكان أوج تفسير الكتابين وبهما صار وجيها في الدنيا (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) (104الانبياء) وكذلك في آخر الزمان يضع شبيه المسيح عيسى (المهدي المسيح) بذور التقاء روح الإنجيل مع روح القران ليشكلان معاً أوج التفسير في زمنه فيكون بذلك وجيهاً في الآخرة ونتابع السورة ( وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين) (الزخرف 61 - 62 ) أي أن مجيء المهدي بحسب سياق الآيات وبعض بشرى الروايات باعتباره هادياً للبشر وماسحاً بدعوته الأرض من دلائل الساعة فلا تشككن بها في آخر الزمان وهذا من أدلة صدقه انه يأتي في أسوء زمن حيث الظلم والجهل والتخلف وتكالب الصليبية والاستعمار وهجر القرآن إضافة إلى الكوارث والأزمات والحروب وفي هذه الظروف يدعوا إلى إتباعه بترك كل ما يشغلهم عن الصراط المستقيم للذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين واتخاذ الشيطان عدوا مبين وهذا من أدلة صدقه لان الصراط المستقيم إتباع خاتم النبيين فلا يصدنكم منه صدودا؛ ونتابع الآية )ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون) ( الزخرف 63 ( خبر تعالى حين مجيء عيسى المثل الثاني بالبينات وهي خلاف المعجزات المادية كما في المرة الأولى الدالة على صدق نبوته بل بالبينات العقلية والنقلية كما يقتضي كمال الدين الخاتمي فمجيئه بالحكمة وبأحسن مفهوم لمنهج الله تعالى في تأويل آياته ليبين بعض الذي تختلفون فيه وليس كل شيء لان تأويل القرآن يستمر إلى نهاية الكون وبذلك يكون موقفه من خلافاتهم كمن يقف في وسط الدائرة وعلى مسافة واحدة منهم بل أقربهم إلى الجميع من بعضهم بعضاً ومع ذلك هم له كاذبون وكارهون فهو هادي إلى التقوى والصراط المستقيم ويكون ذلك من أدلة صدق تكليفه وانه المهدي المسيح ( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) (الزخرف 64) مخبراً الناس جميعاً أن الله هو ربه وليس عيسى ابنه أو إلهاً كما هو ربكم فاتجهوا بالعبادة مخلصين إليه هذا صراط مستقيم فاختلف المتحزبون من بينهم على التكذيب فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) (الزخرف 65 -66 ) فلما جاءهم المسيح شبيه عيسى اختلف الأحزاب على تكذيبه ؛ ألم يحين وقت التوبة ابتداء من ظلم النفس قبل الخسران وفوات الأوان بأنهم كذبوا على أنفسهم وينتظرون نزوله من السماء إلى حين يصبهم عذاب اليم أو تأتي الساعة بغتة وهم لا يشعرون وللخروج من اختلاف المتحزبين على تكذيبه نرى إرشاد القرآن إلى أفضل خيارات التأويل وأحسنها (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) مع آية (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وهم لا يشعرون) (الزمر 55) فأحسن الفهم هو ما كان يحيي الدين ويوحد الملة الإسلامية (التوراة والإنجيل) على قاعدة التصديق والهيمنة القرآنية ، ومقتدٍ بالرسول ص الخاتمي وجاعل القران إماماً تحت راية إمام الزمان المهدي المسيح ونتابع السورة (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (الزخرف 78) أي يوجب عليكم إتباعه وقد وعد الله تعالى ليظهره على الدين كله ويحقق مقاصد الدين في الأرض وعلى كراهية من الكافرين والمشركين وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فطوبى لمن يؤمن بالمهدي قبل أن تأتي بعض آيات ربك قبل يوم القيامة (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) (الأنعام 158) من ذلك ظهور آية صدق المهدي المسيح وأمه في آخر الزمان (وجعلناها وابنها آية للعالمين) (الأنبياء 91 ) يوم ينكشف دجل الدجال للبشرية وتنشد الحقيقة كما تنشد بلاد العرب اليوم الحرية يومها يدخل الناس في دين الله أفواجا فكل من لم يؤمن بالمهدي سابقاً ليس له اجر بعد الآية لأن الإيمان بما قبلها أما بعدها فهو شهادة .وقوله تعالى (رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا واعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) (11 الطلاق ) هنا الرسول ليس محمد ص والأمر الغريب فيها الإخراج للذين آمنوا وليس للذين ظلوا ؟ ولكن الآية تدل على دور المهدي المسيح في تلاوة آيات مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات وليس الذين ظلموا من الظلمات إلى النور حتى تقوموا الدين على العالمين وإلا انتم لستم على شيء (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما نزل إليكم من ربكم ) الخطاب إلى أهل الإيمان بالقران مصدقاً لما قبله وأنهم ليسوا على شيء حتى يسمحوا لغيرهم بإقامة أديانهم بلا إكراه تحت راية (الخلافة المدنية) تعترف بجميع أطياف المجتمع وتحمي حقوق الضعيف قبل القوي والمخالف قبل الموافق بحيث تضم جميع أطراف المجتمع، كما أراد تعالى في خطابهً لهم أن الدين عند الله واحد هو الإسلام بمكوناته التوراة والإنجيل من كتب الملل الإسلامية وهي من مشكاة واحدة والأنبياء أخوة ، فنحن لسنا على شيء حتى نقيم في الأرض التوراة والإنجيل وما نزل إلينا على قاعدة التصديق والهيمنة القرآنية توحيد قائم على وحدة تعددية ، لان كل ما في الكون لا يقوم إلا على الزوجية التعددية إلا الله تعالى فرد أحد صمد ليس كمثله شيء، وهكذا يجب أن تقوم مجتمعاتنا على التعددية (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا *والذي أوحينا إليك * (أي القرآن) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى *أن قيموا الدين ولا تتفرقوا فيه *كبر على المشركين ما تدعونهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) إذن حتى نكون مقيمين دين الله بالمعنى الشامل لا بد من السماح بل حماية الآخرين بإقامة أديانهم والحذر من جعلها مسالة خلاف بيننا بل وحدة تحت شعار* ( إني جاعل في الأرض خليفة) [الخلافة المدنية]* لتحقيق المجتمع السلمي القائم على التعددية والتداول والمساواة وتكافؤ الفرص والتكامل بين الرجل والمرأة بالعدل وتنمية ثقافة السلام في كل مكونات المجتمع الذي أسلم لله عز وجل (ومن أحسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا) (125النساء) ...
وقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض
كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (55) النور) ..
في طور إقامة (التوراة والإنجيل) على قاعدة تصديق وهيمنة القرآن
ان خاتمية الدين تقتضي انتهاء عصر المعجزات الحسية ، وإعلاناً بان النوع البشري قد بلغ النضج العقلي والرشد الاجتماعي والنبوغ المعرفي وأصبح المجتمع البشري من خلال التجربة والتسخير والسيطرة بغنى عن إقناعه عن طريق المعجزات المادية بان الدين لمصلحة الإنسان في التغيير والتطوير ضمن الثابت والمتحول وثبات النص مع حركة المحتوى بحسب المعرفة الزمنية فكان كمال الدين لذلك الأمر وحتى تبلغ الثقة في نفوس البشر مستوى تشكل حافز في التقدم والمدنية والاعتماد على إعمال العقل في عملية العمران والاستخلاف واتخاذ القران إماماً في التربية والتوجيه التاريخي والمعرفي، وان لكل شيء سببا فهو المعجزة الخالدة فالتغيير والنهضة خاضعة لمجموعة شروط موضوعية في الواقع ، فمن هنا كان الخلاف والقول بعدم مجيء عيسى ابن مريم المخلص قبل انتهاء الزمان ، وخاصة انه يأتي والمسلمين في أسوء حال والقوة والعلم في يد النصارى ، فهل يكفي سنوات لإصلاح المسلمين العقيم ، وإقناع النصارى بفساد عقيدتهم ، فهو عبد ورسول ولم يقتل على الصليب ،وإنهم كانوا من المخطئين ، وينزع الصليب والخنزير من نفوسهم فلا بد أن يكون المخلص سوبرمان مميز عن الآخرين، إذ كيف يصدقه الناس ويثبت دعواه بدون معجزات ومجيئه يعني إلغاء العقل ومصادرة الحرية وحجر على الناس وقهرهم على الدين وهذا بخلاف ما جاء في القران المجيد، لا إكراه في الدين، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لذا ظن بعض الناس عدم ورود نص في المخلص بصراحة واضحة في القرآن ، فهو من خرافات اليهود وذلك بسبب هجرهم القرآن ومنهج تأويله والمؤطر بظاهر سياق لفظ النص مع تقاطع ألفاظه كما سنرى وهو على أعماق سبعة وهذا بخلاف الباطنية التي لا تتقيد بجذر اللسان العربي وبظاهر نص سياق الآية جاء في كتابه (ولقد أتيناك سبعاً من المثاني والقران العظيم) (الحجر 87) والمثاني غير القرآن كما هو واضح وجمع مثنى أي طبقة فوق طبقة مثنية إلى سبع طبقات وهي عمق التأويل والذي لايعلمه إلا الله والراسخون لا يعلمونه كاملاً من ذلك دلالة منطوق القرآن ودلالة مفهومه ودلالة السياق ودلالة الأسلوب ودلالة الصياغة ومنهج تقاطع الألفاظ ودلالة الاصطلاح والدلالة اللسانية للجذر والحرف فمع أن المهدي ورد فيه عدة آلاف من الروايات عند الشيعة وأكثر من سبعين رواية صحيحة السند عند أهل السنة أكثرها تواتر عند أهل الحديث ، مع اختلاف وتناقض الروايات في طريقة ظهوره واسمه ومهمته فقال بعضهم هو شخصيتين برجل استناداً على رواية لامهدي إلا عيسى ومنهم قال هو اثنين ، ونتيجة لهذا الإشكال اضطرب المحدثون والفقهاء في الأمر وانعكس ذلك على سائر الناس ، مما دعا بعضهم إلى نفي صحة الروايات أصلاً ، مع أن المخلص أجمع عليه ملل أهل الأرض ومن مختلف الأديان .
ولقد اجتهد المصلحون والساسة في التاريخ في توظيف فكرة عودة المهدي والمسيح على ضربين الأول: تم تسييس فكرة المهدي لإشباع طموح البعض ،فكان لها دور ايجابي في حركات التغيير والإصلاح الاجتماعي والثورة على الاستعمار رسميا وشعبياً، أشهرهم المهدي العباسي ، والمهدي احمد بن تومرت في بلاد المغرب والأندلس ، ومهدي السودان .
والثاني: وهو الشائع فكانت فكرة المهدي لها الدور السلبي على الناس ، فقد ادلجة في الخلافات المذهبية وخاصة عند الشيعة فقد اتفقوا على غيابه وهو عندهم حي منذ أكثر من ألف عام واختلفوا على شخصيته وظهوره ودوره ، وهم ينتظرون خروجه كغيرهم من الأمم لتحقيق السيادة والتسلط واستغلال الموارد البشرية بالعنف والقهر وليس مستبعداً عبث أصابع غريبة دخيلة حاقدة لا تريد الخير للمسلمين والإنسانية .
ومازال أمر المخلص المهدي والمسيح إلى اليوم يستغل من باب الدجل أفراد وطوائف ودول واستخبارات دولية لأهداف ودوافع مختلفة، ولا يمنع كل ما ذكرنا من جموع ركام الشبهات والدسائس لطمس الحقيقة القرآنية من كشفها للناس موقنين بأن قدرة الله عز وجل في المرحلة الأولى تحققت في إكمال الدين الخاتمي ولابد أن تتجلى للبشرية القدرة الثانية في مرحلة إقامة وحدة كتاب دين الله تعالى التوراة والإنجيل بتصديق وهيمنة القرآن وسوف يوفق كل من يعمل على تحقيق مشروعه ويهلك كل من يقف أمامه فلقد اقتضت سنة الله تعالى الجارية في التغيير الاجتماعي في التاريخ إيجاد القيادة وتحضيرها من خلال مصداقية تاريخية قبل بناء القاعدة الجماهيرية لتسهيل عملية التوجيه وتفعيل ضبط الفكر والعمل والمال من اجل النهضة فكانت الأنبياء والخلفاء من بعدهم بمثابة النواة تلتف من حولها الناس لتشكل سفينة نجاة الأمة في إظهار الدين والحق والعدل والسلام وتحقيق وعده بنصرة رسله والذين آمنوا معه ضمن معطى الواقع رغم كراهية المشركين لذلك ولا يعلم جنود ربك إلا هو؛ فالمسالة على ضوء القرآن المجيد ليست أمر خرافي أو فكرة انهزامية نسجت على خلفية الإحباط في التاريخ للهروب من مواجهة ضغط الفساد والاستبداد في الواقع ؛ فكيف نفسر وجود فكرة المهدي والمخلص في جميع الأديان والملل وقد ورد فيه عدداً من روايات نبوية تواترة عند محدثين ؛ وبغض النظر عن السند فليس هو منتهى الحكم على صحة الرواية فيجب النظر في متنها ومن ثم عرضها على كتاب الله تعالى الفرقان بين الحق والباطل ؛ بعيداً عن التأثر بأحداث التاريخ وخاصة تم استغلالها لأهداف سياسية ومذهبية كما ذكرنا فلا يصدنا عن الحقيقة شيء فكما أن بعض روايات الرسول هي سنة تابعة للتشريع القرآني يجب طاعتها وفي تركها إثم فكذلك بعض روايات النبوءة والتي تتعلق بالعلوم والمعارف وأنباء الماضي والحاضر والمستقبل ونبوءات مختلفة هي سنة تابعة لآيات النبوة يجب فهمها على ضوء منهج الكتاب والعلم وعدم الإيمان بها والاستفادة منها على ارض الواقع في تقويم السلوك البشري من الفساد والاستبداد تظل الكوارث والحروب والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية تحيط بنا (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) فيحجب عنا ما ينفعنا من نعمته ورحمته لطفاً منه حتى ننخرط في العمل في مشروعه وهو سفينة النجاة، فلا بد أن نفعل كما فعل المسلمون الأوائل حينما انتشر مرض الطاعون في عهد عمر الفاروق وأراد الصحابي أبو عبيدة الخروج فحاججه البعض برواية تقول بعدم الدخول أو الخروج في مثل هذه الحالة فرد عليهم في قوله إني افر من قدر الله إلى قدر الله، وكذا أثناء فتح القسطنطينية على يد الفارس محمد العثماني فكانت نبوءة ووعد النبي ص لأحد عوام المسلمين بلبس (سواري كسرى) احد عوامل رفع الروح المعنوية عند الناس وحافزا للنصر وتحقيق الهدف وشحن الأمة بالأمل، وقد تم النصر فعلاًًً وتحقق خبر الرواية واستدعي هذا الموعود المتواضع وألبسه الخليفة أمام الملأ سواري كسرى وهكذا كان الناس مشحونين بالطاقة الروحية وكلهم أمل بالنصر أثناء الفتح العثماني واليوم نفس السنن تتكرر( كما بدأنا أول خلق نعيده) إذ كما بدأ من الله تعالى وحي الدين بنوح عليه السلام منقذ ومخلص في مرحلة تاريخية سابقة سوف يظهر الدين قبل الرجوع إلى الله ليوم الحساب على يد منقذ ومخلص هو المهدي المسيح؛ وقد اختلف فيه بحسب الروايات على أقوال الأول المسيح ابن مريم هو المهدي على الحقيقة والثاني هو شبيه عيسى ابن مريم والثالث هو رجل من آل البيت يخرج في آخر الزمان يعاصره المسيح والرابع هو المهدي الغائب عند الشيعة في السرداب أو في الجبال ينتظرون فرجه أكثر من ألف عام والخامس كل فئة لها مهدي وقد يجتمع عشرات المهديين في الزمن الواحد كما حالنا اليوم والدليل الوحيد لمعرفة الحقيقة هو القرآن .
إن كتاب الله تعالى فيه دلالات تحتاج إلى استنباط والغوص في أعماق التأويل للكشف عن شيفرة سلوك التاريخ البشري إلى يوم الدين ، من ذلك أطوار التاريخ البشري بمراحله السبعة وهي أيام الله (خلقكم أطواراً) وكل يوم يتميز بإمام ابتداء من يوم خلق آدم ثم نوح وإبراهيم وموسى ومحمد الخاتم ص فالمهدي المسيح موحد الملة والدين الخاتمي ثم الرجوع إليه في اليوم الآخر، فلكل مرحلة سلسلة من النبيين أو نبياً هو حجة الله تعالى على خلقه يقود مشروع الله عز وجل في التوحيد الخالص فلا خالق إلا هو لا عيسى ولا غيره ، وإقامة حكم رسالة التوراة والإنجيل على خلفية وهيمنة التصديق القرآني ، تحت راية الخلافة المدنية في الأرض بالعدل والسلام .
وجاء في كتاب الله تعالى في سياق الحديث عن فرعون وقومه وانتقامه عز وجل منهم غرقاً (فلما ءاسفونا انتقنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين( أي سالفة وعبرة عجيبة للطواغيت ومثلاً للآخرين الذين لم يلحقوا بهم بعد.
نزول شبيه ابن مريم (عليه السلام) مثلاً
إن الأمثال في حياة الناس مهمة جداً، لأنها تكمن في مضمونها بساطة ووضوح الفكرة، وفي عرضها في سياق المناسبة تختصر الحوار وتبلور الفكرة وتبين الدليل وقد تثير عجب المتلقي فتؤثر في مستوى القناعة فتغير الحال (قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ) (المائدة 31) لذا اهتم بها القران المجيد فجاءت أمثال كثيرة تساعد على توضيح المقصد أو إعمال العقل (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) (الحشر 21) وهكذا وجه القرآن إلى ضرب الأمثال والتفكر فيها لأنها بحد ذاتها تمثل خلاصة تراكم تجربة تاريخية أو تكشف عن قانون الأشياء نتيجة استقراء العلاقة المنطقية بينها (وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت 43) إذن إدراك الأمثال والتفكر فيها ينتج أفكارا ويغير أحوالا ًمن هنا نأتي على مثلين ضربهما الله تعالى الأول لبني إسرائيل يتعلق في آية خلق عيسى عليه السلام فكانت المشابهة بعملية خلقه من أم بلا أب كخلق آدم ليكون آية لبني إسرائيل (إن مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (59 ال عمران) وأما المثل الثاني فهو موجه إلى قوم محمد ص في آخر الزمان قوله (ولما ضُرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) (الزخرف 57( يصدون من دعوته إلى الصراط المستقيم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فهم مثل من قبلهم (بني إسرائيل ومن سلك مسلكهم) ويكون نزوله من علامات الساعة كما جاء في الآية (وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين) (الزخرف 61) فالنزول روحي بمعنى الحضور على مسرح الحياة (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده) (النحل 2) وعيسى كلمته وروح منه ألقاها إلى مريم ولفظ الآية (ولما) يفيد أن شيئاً لم يقع بعد ووقوعه من المتوقع ومعنى لفظ ( ُضرب) على وزن جُعل، هو إيقاع شيء على شيء، ومنه ما ظهر أثره على غيره ، من الطبيعة والسجية والصيغة (ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل) (الروم 58) وهنا في مثلنا ظهور اثر أخلاق المسيح عيسى عليه السلام في المهدي المسيح أي ضرب على مثال ما سواه ،لان خطاب الآية موجه إلى قوم محمد ص وضرب المثل بابن مريم ليس بالنسبة للأمومة ولكن بالنسبة إلى الولادة الروحية لذا قال مثلاً أي شبيهاً بالمولود ولادة روحية من غير أب أي لم يتلقى العلم من أحد وهذا ما دل عليه اللفظ مثلاً ًفالمشابهة بينهما أن الأول من غير أب- بيولوجي- والثاني من غير أب روحي إضافة إلى مشابهته بالصفات المعنوية والمسح بالدعوة بآخر الزمان والمقصود في آية ُضرب السابقة من خلال اللفظ والسياق والصياغة أن رجلاً من قومه أي من بني جنسه ليس من سكان الفضاء ومن أمة محمد ص يأتي متمثلاً أخلاق المسيح عيسى من خلال ولادة روحية شبيه بالولادة (المريمية) من دون أب فالمثل السابق هو الظهور الثاني لابن مريم ، حيث كانت مشابهته الأولى بعملية خَلق ادم وسوف تكون المشابهة الثانية بصفات خُلق عيسى ابن مريم لذا ُضرب به مثلاً مره ثانية لان المثل الأول كان لبني إسرائيل أما المثل الثاني فهو للمسلمين والناس أجمعين في طور المخلص من أطوار التاريخ في آخر الزمان ومن خلال المشروع الرباني والخريطة القرآنية، ومن الحكمة في ذلك إثبات بشريته وانه مات كما خلت من قبله الرسل ثم تابعت الآية (إذا قومك) تعرض موقف جمهور قوم محمد ص فهو عربي والقرآن عربي وليس بالمعنى العنصري ولكن بمعنى الخالص والصافي والنقي والفطري وأصل وأسس الشيء لذلك كان الناس امة واحدة فالعرب أم البشرية والعربية أم اللغات ، إذاً محمد ص الإنسان ينتمي إلى الإنسانية فقومه غير أمته لان القوم تتضمن المؤمن وغيره (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف 106 ) وموقفهم المفاجئ يومئذ بعدم اعتمادهم أي مقدمات موضوعية أو منطقية في صدهم ( منه يصدون)) الزخرف57 ( أي ينصرفون مما يدعوا إليه فلا يقبلون دعوته علما انه يدعو إلى القرآن لا إلى الإنجيل وإلى التوحيد لا إلى التثليث ويكسر الصليب ويقتل الخنزير في نفوس الناس ويوحد الملة الإسلامية ويقيم الشرائع الثلاث على قاعدة التصديق القرآنية (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما انزل إليكم من ربكم) (المائدة 68) الخطاب بحسب السياق موجه لكل من أتاهم الله كتاب أو نزل عليهم ، وجاءت الآيات القرآنية في سورة آل عمران تقص قصة مريم وابنها وفيها الملائكة حاملة البشرى بكلمة منه وباسمه الكامل ( المسيح عيسى ابن مريم) وذلك ليغطي مرحلتين - بني إسرائيل وآخر الزمن - فجاء في الآية ( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل) (48 ال عمران) فنحصل على المعنى بعد مقاطعتها مع آية (ابن مريم مثلاً) فتعليم التوراة والإنجيل لعيسى وتعليم الكتاب والحكمة لابن مريم الشبيه في آخر الزمان لان ذكر اسم عيسى كاملا وبمختلف مقاطعه الثلاثة حوالي ثلاثين مرة في كتاب الله تعالى له دلالات خاصة بحسب الصيغة وسياق النص فذكر عيسى ابن مريم له دلالة وإفراد ابن مريم له دلالة أخرى وهو الشبيه الذي ينشر العدل والسلام في الأرض ولكن قوم محمد ص الذين اتخذوا القران مهجورا (يارب إن قومي اتخذوا هذا القران مهجورا) (30 الفرقان) ولا يصح القول بأن القرآن المجيد هجر في زمن الرسول ص فالمقصود قومه من بعده والى آخر الزمان وحين يبررون صدهم مما جاء به المهدي والمسيح (وقالوا ءألهتنا خير أم هو( الآية ( الزخرف 58) تبين حال المسلمين في ذلك الزمان وكيف تحولت مناهجهم التاريخية إلى عين منهج الله تعالى وقد صدهم الشيطان إتباع للآبائية: والاحتجاج بإجماع تاريخي أو إجماع مؤتمرات علمائهم وكذا إتباع الأكثرية: باتخاذ القاعدة الديمقراطية في ترجيح الأغلبية في مجال المعرفة ونصرة الحق وتركوا قاعدة الحق أحق أن يتبع وإتباع الهوى: بجعل منهج الله تابعاً لمفاهيمهم وعدم اتخاذه إماماً ظلماً وعدواناً مخالفين منهج الله تعالى بأنه تبياناً لكل شيء والمبين لنفسه ولغيره وعلينا إتباع أحسن ما يحمل منهج الله من خيارات في فهمه (واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) (الزمر 55) فالتغيير والتطوير وما ينفع الناس يمكث في الأرض، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، لذا نراهم يسارعون في المقارنة بما عندهم من مناهج تاريخية تتعلق في اللغة والرواية والتفسير تخالف ما جاء به مثيل عيسى من البينات والحكمة في فهمه لبعض لما اختلفوا فيه في توحيد الأمة والملة وخلاصهم مما هم فيه من العذاب والكوارث والأزمات المختلفة (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون) (الزخرف 78) وهو القرآن المبين الذي يفسر نفسه بنفسه وتبياناً وتفصيلاً لكل شيء حتى آخر الزمان (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فمن خلال فقهه لآيات القرآن يصدون ، وبحكم العادة يعكفون على تفاسيرهم التاريخية التي وضعوها نصرة لمنهج الطائفة والمذهب وكذا رواياتهم التي حكمت وفسرت منهج الله بقواعد ومناهج تاريخية والتي تحولت مع طول الزمن إلى أصنام وآلهة بديلة بل جعلوها عين منهج الله تعالى واعتبروها خير منه صداً منهم عن الحق والصراط المستقيم ثم تابعت الآية) ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون) (الزخرف 58 ) هم يعلمون الحقيقة ولكن يضربون بها عرض الحائط نفياً وما يريدون إلا الجدل والمراء والمخاصمة دفاعاً عن آلهتهم التاريخية؛ ثم تابعت الآية (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) (الزخرف 95 - 60 ) تتحدث عن ابن مريم بوصفه عبد ضمن المجموعة البشرية في ظهوره الوظيفي الأول والثاني وتؤكد إن هو إلا عبداً ليس إلهاً وقد انعم الله عليه بالنبوة والحكمة والوجاهة في الدنيا والآخرة وكما جعله في السابق مثلاً لمرحلة بني إسرائيل قادراً على جعله مثلاً لقومك في آخر الزمان في مرحلة وحدة الدين الخاتمي؛ فلا عجب لان الله بمشيئته قادر على جعل منكم ملائكة يخلفون فقدر الشبيه منكم وجعل جماعته سفينة النجاة ضمن شروط موضوعية، وإمامته وقيادته للناس جزء من سنن التغييرالالهي في تنفيذ مشروعه وتغليب الحق على الباطل وتحقيق وعده بنصرة رسله والذين معه ولولا امتناع مشيئته لجعل منكم ملائكة من باب بيان قدرته وان هذا اكبر من جعله بشرا ً روحانياً من غير أب روحي، بل ملائكة في الأرض يخلفون في نصرة الحق لشدة غيرته على الحق وحتى لا يكون للناس حجة جعل التغيير مرتبط بمعطيات الواقع؛ وبذلك يكون وجيها في الدنيا والآخرة ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) (ال عمران 45 ) إن بشرى الملائكة تستهدف حقبتين حقبة بني إسرائيل والتي جعلت محطة تأمل وعبرة ليوم الدين، وحقبة المهدي المسيح في آخر الزمان ومن المعلوم أن بدء الشريعة صحف إبراهيم وخاتمها محمد ص وموحدها مصدقة بالدين الخاتمي في آخر الزمان المسيح الشبيه وقد ورد اسم المسيح في الآية بالصيغة الكاملة ليدل على تغطيته الزمنيين فالمسيح عيسى في زمن بني إسرائيل حيث التقت روح التوراة مع روح الإنجيل فكان أوج تفسير الكتابين وبهما صار وجيها في الدنيا (كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين) (104الانبياء) وكذلك في آخر الزمان يضع شبيه المسيح عيسى (المهدي المسيح) بذور التقاء روح الإنجيل مع روح القران ليشكلان معاً أوج التفسير في زمنه فيكون بذلك وجيهاً في الآخرة ونتابع السورة ( وانه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان انه لكم عدو مبين) (الزخرف 61 - 62 ) أي أن مجيء المهدي بحسب سياق الآيات وبعض بشرى الروايات باعتباره هادياً للبشر وماسحاً بدعوته الأرض من دلائل الساعة فلا تشككن بها في آخر الزمان وهذا من أدلة صدقه انه يأتي في أسوء زمن حيث الظلم والجهل والتخلف وتكالب الصليبية والاستعمار وهجر القرآن إضافة إلى الكوارث والأزمات والحروب وفي هذه الظروف يدعوا إلى إتباعه بترك كل ما يشغلهم عن الصراط المستقيم للذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين واتخاذ الشيطان عدوا مبين وهذا من أدلة صدقه لان الصراط المستقيم إتباع خاتم النبيين فلا يصدنكم منه صدودا؛ ونتابع الآية )ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون) ( الزخرف 63 ( خبر تعالى حين مجيء عيسى المثل الثاني بالبينات وهي خلاف المعجزات المادية كما في المرة الأولى الدالة على صدق نبوته بل بالبينات العقلية والنقلية كما يقتضي كمال الدين الخاتمي فمجيئه بالحكمة وبأحسن مفهوم لمنهج الله تعالى في تأويل آياته ليبين بعض الذي تختلفون فيه وليس كل شيء لان تأويل القرآن يستمر إلى نهاية الكون وبذلك يكون موقفه من خلافاتهم كمن يقف في وسط الدائرة وعلى مسافة واحدة منهم بل أقربهم إلى الجميع من بعضهم بعضاً ومع ذلك هم له كاذبون وكارهون فهو هادي إلى التقوى والصراط المستقيم ويكون ذلك من أدلة صدق تكليفه وانه المهدي المسيح ( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) (الزخرف 64) مخبراً الناس جميعاً أن الله هو ربه وليس عيسى ابنه أو إلهاً كما هو ربكم فاتجهوا بالعبادة مخلصين إليه هذا صراط مستقيم فاختلف المتحزبون من بينهم على التكذيب فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم اليم هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) (الزخرف 65 -66 ) فلما جاءهم المسيح شبيه عيسى اختلف الأحزاب على تكذيبه ؛ ألم يحين وقت التوبة ابتداء من ظلم النفس قبل الخسران وفوات الأوان بأنهم كذبوا على أنفسهم وينتظرون نزوله من السماء إلى حين يصبهم عذاب اليم أو تأتي الساعة بغتة وهم لا يشعرون وللخروج من اختلاف المتحزبين على تكذيبه نرى إرشاد القرآن إلى أفضل خيارات التأويل وأحسنها (هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون) مع آية (من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وهم لا يشعرون) (الزمر 55) فأحسن الفهم هو ما كان يحيي الدين ويوحد الملة الإسلامية (التوراة والإنجيل) على قاعدة التصديق والهيمنة القرآنية ، ومقتدٍ بالرسول ص الخاتمي وجاعل القران إماماً تحت راية إمام الزمان المهدي المسيح ونتابع السورة (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ) (الزخرف 78) أي يوجب عليكم إتباعه وقد وعد الله تعالى ليظهره على الدين كله ويحقق مقاصد الدين في الأرض وعلى كراهية من الكافرين والمشركين وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون فطوبى لمن يؤمن بالمهدي قبل أن تأتي بعض آيات ربك قبل يوم القيامة (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) (الأنعام 158) من ذلك ظهور آية صدق المهدي المسيح وأمه في آخر الزمان (وجعلناها وابنها آية للعالمين) (الأنبياء 91 ) يوم ينكشف دجل الدجال للبشرية وتنشد الحقيقة كما تنشد بلاد العرب اليوم الحرية يومها يدخل الناس في دين الله أفواجا فكل من لم يؤمن بالمهدي سابقاً ليس له اجر بعد الآية لأن الإيمان بما قبلها أما بعدها فهو شهادة .وقوله تعالى (رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا واعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) (11 الطلاق ) هنا الرسول ليس محمد ص والأمر الغريب فيها الإخراج للذين آمنوا وليس للذين ظلوا ؟ ولكن الآية تدل على دور المهدي المسيح في تلاوة آيات مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات وليس الذين ظلموا من الظلمات إلى النور حتى تقوموا الدين على العالمين وإلا انتم لستم على شيء (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما نزل إليكم من ربكم ) الخطاب إلى أهل الإيمان بالقران مصدقاً لما قبله وأنهم ليسوا على شيء حتى يسمحوا لغيرهم بإقامة أديانهم بلا إكراه تحت راية (الخلافة المدنية) تعترف بجميع أطياف المجتمع وتحمي حقوق الضعيف قبل القوي والمخالف قبل الموافق بحيث تضم جميع أطراف المجتمع، كما أراد تعالى في خطابهً لهم أن الدين عند الله واحد هو الإسلام بمكوناته التوراة والإنجيل من كتب الملل الإسلامية وهي من مشكاة واحدة والأنبياء أخوة ، فنحن لسنا على شيء حتى نقيم في الأرض التوراة والإنجيل وما نزل إلينا على قاعدة التصديق والهيمنة القرآنية توحيد قائم على وحدة تعددية ، لان كل ما في الكون لا يقوم إلا على الزوجية التعددية إلا الله تعالى فرد أحد صمد ليس كمثله شيء، وهكذا يجب أن تقوم مجتمعاتنا على التعددية (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا *والذي أوحينا إليك * (أي القرآن) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى *أن قيموا الدين ولا تتفرقوا فيه *كبر على المشركين ما تدعونهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) إذن حتى نكون مقيمين دين الله بالمعنى الشامل لا بد من السماح بل حماية الآخرين بإقامة أديانهم والحذر من جعلها مسالة خلاف بيننا بل وحدة تحت شعار* ( إني جاعل في الأرض خليفة) [الخلافة المدنية]* لتحقيق المجتمع السلمي القائم على التعددية والتداول والمساواة وتكافؤ الفرص والتكامل بين الرجل والمرأة بالعدل وتنمية ثقافة السلام في كل مكونات المجتمع الذي أسلم لله عز وجل (ومن أحسن دينا ممن اسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا) (125النساء) ...
وقوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض
كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (55) النور) ..